المحامي برهان جلال شعبان

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المحامي برهان جلال شعبان

جميع قوانين العالم في موقع واحد


    الركن المعنوي في المخالفات

    al_kapten
    al_kapten


    المساهمات : 31
    تاريخ التسجيل : 26/04/2010

    الركن المعنوي في المخالفات Empty الركن المعنوي في المخالفات

    مُساهمة  al_kapten الأحد مايو 02, 2010 3:39 am

    الركن المعنوي في المخالفات
    حلقة بحث بعنوان : الركن المعنوي في المخالفات
    السلطه الوطنيه الفلسطينيه
    الجامعه العربيه الامريكيه
    كلية الحقوق
    قسم الدراسات العليا
    ماجستير القانون الجنائي




    حلقة بحث بعنوان : الركن المعنوي في المخالفات


    إعداد الطالب:
    برهان جلال شعبان

    إشراف الدكتور:عبد العزيز الحسن

    2006-2007
    مخطط البحث
    مقدمة
    المبحث الأول :الجدل حول الركن المعنوي لجرائم المخالفات
    ـالمطلب الأول :فكرة الجريمة المادية في المخالفات
    أـ مضمون هذا الاتجاه
    ب ـ مبررات هذا الاتجاه والرد عليها
    ـ المطلب الثاني : لزوم الركن المعنوي في المخالفات
    أ ـ مضمون هذا الاتجاه
    ب ـ صور الركن المعنوي في المخالفات
    ج - مبررات هذا الاتجاه والرد عليها
    المبحث الثاني : أنواع المخالفات في التشريع السوري وموقف المشرع منها


    مقدمة :
    ثار جدل حول ضرورة توافر الركن المعنوي بالنسبة لبعض الجرائم .فقد ذهب رأي إلى إنكار هذا الركن والقول بأن هناك بعض الجرائم يكفي لتوافـرها تحقق الركن المادي فقط ،ويطلق عليها
    ( الجرائم المادية )أي تلك التي تتحقق ماديا فقط دون حاجة إلى الركن المعنوي ، ويسميها البعض (المسؤولية دون خطأ ) "أو " المسؤولية الموضوعية أو المادية
    والمخالفات هي الجرائم التي تلي الجنايات والجنح من حيث الجسامة ، فهي أقل الجرائم جسامة أو خطورة ،كما أن العقوبات المقررة لها قليلة أو ضئيلة بالمقارنة لتلك المقررة للجنح والجنايات .
    ونظراً للطبيعة الخاصة للمخالفات و لركنها المعنوي اقتصر بحثنا على البحث في ماهية هذا الركن إضافةً إلى موقف المشرع السوري منه وتحليل هذا الموقف.....
    المبحث الأول
    الجدل حول الركن المعنوي لجرائم المخالفات
    يهدف المشرع عادة في مجال جرائم المخالفات إلى حسن تنظيم المجتمع على نحو معين ،ولذلك غالباً ما تكون من جرائم السلوك المجرد والخطر المفترض التي يتوافر ركنها المعنوي دون النظر إلى كون الجاني قصد ارتكاب المخالفة ، أو أنها تحققت بإحدى صور الخطأ ، ولهذا اختلف الفقهاء حول ضرورة توافر الركن المعنوي لهذه الجريمة .
    - المطلب الأول : فكـرة الجريـمة المـادية فـي المـخالـفات
    أ ـ مضمـــونها :
    إن المخالفات هي "جرائم مادية بحتة " تتكون من الركن المادي فقط دون حاجة إلى تطلب الركن المعنوي فيها بصورتيه القصد والخطأ .
    وقد أسبغ هذا الوصف أيضاً على الجنح الشبيهة بالمخالفات ،والتي أطلق عليها تعبير المخالفات المجنحة كالجنح الاقتصادية( ) وهي التي يعاقب عليها بعقوبات حدها الأدنى تكديري في حين أن حدها الأعلى جنحي( ) فالجنح الاقتصادية تتحد مع المخالفات من حيث هدف الشارع بالعقاب عليها، وتماثلها تبعاً لذلك من حيث وجود الركن المعنوي( )
    وقد ذهبت إلى فكرة الجريمة المادية المعفاة من الركن المعنوي محكمة التمييز الفرنسية في بعض قراراتها،وأيدها كذلك معظم الفقه، مع تحفظ واحد هو ضرورة إثبات صدور الركن المادي للجريمة عن إرادة، دون حاجة إلى إثبات الركن المعنوي في حق الجاني . فلو أثبت محضر شرطة مثلاُ،أن سائق السيارة خالف إشارة المرور الحمراء توافرت المسؤولية الجزائية في حق المخالف دون حاجة إلى إثبات القصد أو الخطأ لديه .
    وتقع جريمة الوقوف في مكان ممنوع الوقوف فيه بمجرد ترك السيارة في هذا المكان ،ولا يجدي في نفي المسؤولية عنها إثبات أنه لم يصدر قصد أو خطأ و أنه كان من المستحيل على المدعى عليه أن يتوقع أنه يخالف بفعله القانون الذي يجرمه( )،فمجرد تحقق السلوك المادي المكون لجريمة المخالفة كافٍ حتى يستحق مرتكبها العقاب عليها ، ويؤيد هذا الرأي فريق من الفقه الإيطالي
    ب ـ المــبررات والرد عليها :
    استند مؤيدوا هذه الفكرة (عدم لزوم الركن المعنوي في المخالفات ) إلى الأمور التالية :
    1ـ حاول رأي فقهي تأسيس هذا الإتجاه على اعتبار أن المخالفات تهدف إلى تحقيق النظام الاجتماعي ،وفي سبيل تحقيق هذا النظام يكفي تحقق السلوك المكون لها مادياً دون حاجة إلى الركن المعنوي أيا كانت صورته ،بل تقوم المسؤولية عن هذه الجريمة حتى ولو كان الجاني حسن النية .
    ويؤخذ على هذا الرأي:أنه يتجاهل المبدأ العام المسلم به وهو"لا جريمة بدون ركن معنوي " كما أن منطقه يؤدي إلى مساءلة الحيوانات بل والجمادات عما يقع بسببها من مخالفات وهو ما لا يجوز التسليم به في العصر الحديث( )
    2ـ ذهب الفقه الفرنسي أن ماديات هذه الجريمة تتضمن في ذاتها خطأ ، أي أن مجرد ارتكاب هذا الفعل هو في حد ذاته الخطأ الذي تقوم به الجريمة ، ويتمثل في إهمال الشخص معرفة ما له وما عليه ( ) ويؤخذ على هذا الرأي : أنه يتعارض مع موقف القضاء الفرنسي في تقرير الإعفاء من المسؤولية في حالات الجنون والإكراه وصغر السن والقوة القاهرة . والدليل على ذلك أنه يقرر انتفاء المسؤولية إذا اثبت المدعى عليه أنه ارتكب فعله تحت تأثير (غلط غير مقترن بخطأ )،أي ما يعبر عنه القضاء بالقوة القاهرة ، ويستند إليه في نفي المسؤولية ،وهو في حقيقته"حدث طارئ " إذ لا تتوافر له شروط القوة القاهرة ، وإنما يقتصر تأثيره على نفي الخطأ عن الإرادة مما يعني إقامة المسؤولية على الخطأ واشتراط ركن معنوي للجريمة
    ولهذا اتجه رأي آخر إلى القول : بأن هذه المسؤولية تقوم على أساس الخطأ المفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس ولكن هذا الرأي ليس بأفضل حالاً من سابقه لأن قرينة افتراض الخطأ الذي لا يقبل إثبات العكس لا يمكن استخلاصها بل يجب أن ينص عليها المشرع صراحة و لا يوجد مثل هذا النص فضلاً عن أن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى ذات النتائج التي ينتهي إليها الرأي السابق ويستحق ذات النقد ، وبصفة خاصة لا يستقيم مع موقف القضاء الفرنسي الذي يقرر الإعفاء من المسؤولية في حالات معينة . وهذا يعني أن قرينة افتراض الخطأ ليست قاطعة ولكنها قرينة بسيطة يجوز إثبات عكسها ،وافتراض الخطأ بالنسبة لهذه الجرائم يرجع إلى الدور الذي تقوم به والمصالح التي تحميها فهي تهدف إلى التنظيم والضبط وحسن الإدارة وهي مصالح عامة تتطلبها ضرورات الضبط الاجتماعي أو النظام الاجتماعي ، فتقوم الجريمة من مجرد مخالفة قواعد التنظيم الإداري ( )لكننا نعود إلى الرأي الأول ونقول أنه مهما كانت المصالح التي تحميها ومهما كانت المبررات التي قيل بها لافتراض الخطأ ،فإنها لا تنهض دليلا مقنعا للخروج على المبدأ العام المسلم به وهو " لا جريمة بدون ركن معنوي " والخروج على هذا المبدأ العام لا يكون إلا بالنص الصريح ، وهذا النص غير موجود.
    وبناء على ذلك فإن المخالفات وكذلك بعض المخالفات المجنحة لا تختلف عن غيرها من الجرائم من حيث ضرورة الركن المعنوي ولزومه وهذا ما أخذ به القضاء والفقه في مصر . ولكن بعض التشريعات قد تقرر الخروج على هذا المبدأ بالنسبة لفئة من المخالفات ، فالمادة 244 من قانون الجمارك اللبناني الصادر في 30 حزيران سنة 1954 تنص على أنه "ليس للمحاكم أن تأخذ بعين الاعتبار النية بل الوقائع المادية فقط ، فالجهل أو حسن النية لا يعتبران عذراً . وعليه يجب على هذه المحاكم إنزال العقوبات المبينة أعلاه لمجرد إتيان الأعمال التي تقمعها هذه العقوبات أو لمجرد المباشرة بها فقط ( ) ، وكذلك الأمر بالنسبة للعقوبات المنصوص عليها في المادتين 337 ، 339 من قانون الجمارك القديم ( ).
    ولا يفهم من ذلك أن قانون العقوبات اللبناني يعتبر المخالفات جرائم مادية بحتة لأنه لم يتضمن نصوصاً تخرج بالمخالفات على القواعد العامة التي وضعها في شأن الركن المعنوي للجريمة.
    3ـ ذهب فريق من الفقه الإيطالي أن تطلب الركن المعنوي في المخالفات سيترتب عليه في الغالب عدم تطبيق النصوص الخاصة بها ( ) ويؤخذ على هذا الرأي : أن المشرع يحرص دائما على صيانة أوضاع ضرورية لتنظيم المجتمع على نحو معين وهذه الأوضاع يتعين أن تكون في الحدود التي تسمح بها المبادئ القانونية العامة واعتبارات العدالة ، والقول بأن الواجب الذي تفرضه على كل شخص النصوص الخاصة بالمخالفات هو واجب محدود النطاق قليل المشقة وأن العقاب المقرر للإخلال به ضئيل وأنه يتعين التخفيف من عبء القضاء بإعفائه من البحث بالركن المعنوي للمخالفات ، كل ذلك ليست له من القيمة القانونية ما يبرر الخروج على المبدأ الأساسي الذي يتطلب في كل جريمة ركناً معنوياً .

    ***المطلب الثاني: لزوم الركن المعنوي في المخالفات
    أ- مضمون هذا الاتجاه:
    يذهب هذا الاتجاه- وهو الاتجاه الراجح – إلى أن المخالفة جريمة لا تختلف في أركانها والقواعد التي تسير عليها عن الجنايات والجنح ، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، فالركن المعنوي لازم في كل جريمة ، إلا في حالات المسؤولية المفترضة وبنص صريح ( )وعلى ذلك يجب أن يكون الفعل المكون للمخالفة إراديا، فلا تقوم المخالفة إذا وقعت النتيجة الضارة بسبب حادث فجائي.
    وبناءً على ذلك فإن المخالفات وكذلك بعض المخالفات المجنحة لا تختلف عن غيرها من الجرائم من حيث ضرورة الركن المعنوي ولزومه إلى جانب الركن المادي لقيامها. ولكن صورة هذا الركن ليست محل اتفاق فقد تعددت الاتجاهات في هذا الصدد على النحو الآتي:
    ب- صور الركن المعنوي في المخالفات
    1ً- اتجهت أغلب التشريعات الجزائية، ومنها التشريع السوري من خلال النصوص القانونية إلى لزوم توافر القصد أو الخطأ، وإذا لم يفصح الشارع عن إرادته في ذلك تعين استلزام القصد طبقاً للقاعدة العامة.
    نصت الفقرة( ب) من المادة 744 من قانون العقوبات السوري على ما يلي" يعاقب بالغرامة من ثلاث إلى عشر ليرات من رمى قصداً بحجارة أونحوها من الأجسام الصلبة أو بالأقذار، العجلات والأبنية ومساكن الغير أو أسواره والجنائن والأحواش" ونصت المادة 377 ( ) من قانون العقوبات المصري في باب المخالفات المتعلقة بالأمن العام أو الراحة العمومية على ما يلي: " يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائة جنيه كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية:
    ف3 – من كان موكلاً بالتحفظ على مجنون في حالة هياج فأطلقه أو كان موكلاً بحيوان من الحيوانات المؤذية أو المفترسة فأفلته .
    ف8- من امتنع عن قبول عملة البلاد أو مسكوكاتها بالقيمة المتعامل بها ولم تكن مزورة ولا مغشوشة.
    حيث تطلب القانون في هذه الحالات (صراحة أو ضمنا) توافر القصد أي اتخذ الركن المعنوي صورة القصد الجرمي .
    وفي حالات أخرى نص القانون على مخالفات غير مقصودة، كالفقرة(ب) من المادة751 من قانون العقوبات السوري وجاء فيها.
    -" يعاقب بالغرامة من ليرة إلى عشر ليرات من سبب بخطئه موت حيوانات الغير أو جرحها أ و إيذائها " ( )
    2ً- يرى البعض انه بالنظر إلى طبيعة المخالفات واستهدافها أوضاعاً تنظيمية لازمة للمجتمع يتعين وضع القصد الجرمي والخطأ على قدم المساواة في تحديد الركن المعنوي للمخالفة. ويظهر ذلك في نص المادة(377) ف7 عقوبات مصري والتي تعاقب " كل من امتنع أو أهمل في أداء أعمال مصلحة أو بذل مساعدة وكان قادراً عليها عند طلب ذلك من جهة الاقتضاء في حالة حصول حادث أو هياج أو غرق أو فيضان أو حريق أو نحو ذلك وكذا في حال قطع الطريق أو النهب أو التلبس بجريمة أو حالة تنفيذ أمر أو حكم فضائي "( ) وكذلك المخالفة التي نصت عليها المادة ( 751) ف1 من قانون العقوبات اللبناني والتي تخالف كل من أقدم على تطويف الطرق العامة أو ملك الغير برفعه مصب مياهه عن المستوى المحدد بموجب الأنظمة أو بارتكابه أي خطأ آخر ( )
    3ً- ذهب رأي إلى أن الركن المعنوي في المخالفات وفي المخالفات المجنحة التي لا يحدد المشرع صورة هذا الركن ، يكفي لتوافره الخطأ غير المقصود على أساس أن خطة المشرع في نظر أنصار هذا الرأي – بالنسبة للمخالفات أن ينص بالنسبة لبعضها على الصورة المقصودة للركن صورة الخطأ غير المقصود وأيدت محكمة النقض المصرية هذا الاتجاه في حكم قديم لها ( ).
    4ً- ذهب الجانب الأكبر من الفقه إلى القول بأن القانون يعاقب على هذه الجرائم دون أن يتطلب توافر القصد أو الخطأ ، فهو يعاقب عليها رغم حسن نية فاعلها مكتفياً بكونه ارتكب الفعل وهو صاحب إرادة حرة واعية ( ).
    ومن الواضح أن المشرع السوري اتبع هذا الاتجاه بالنسبة لمخالفات وجنح السير ، وبعض الجنح التي تتفق مع المخالفات في كون الشارع يستهدف بها التنظيم والضبط، كالجنح الخاصة بالتموين والمحال العامة…. وهذا ما سنبينه فيما بعد (عند بحثنا في موقف المشرع السور ي) .
    وهذا الموقف الأخير هو الذي أثار الجدل حول ضرورة الركن المعنوي بالنسبة لهذه الفئة من الجرائم ، فقد لا تحدد النصوص ولا يمكن أن يستخلص منها الصورة التي يجب أن يتخذها الركن المعنوي بالنسبة لبعض المخالفات كالمخالفات المنصوص عليها في المادة 377 / 5،6 والمادة 378 /5،4،3،2،1 من قانون العقوبات المصري( ).
    -كما أثير نفس الجدل بالنسبة للطائفة الأخرى من الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبات الجنح ولكن لها طبيعة المخالفة من حيث طبيعة المصلحة محل الحماية والغرض المستهدف من العقاب عليها بل إن بعض هذه الجرائم كان في الأصل مخالفات عادية ثم رفع المشرع عقابها إلى عقوبات الجنح ويطلق الفقه عليها ( المخالفات المجنحة ) أو " الجنح المخالفات " كجنح التموين والضرائب والنقود والجمارك وبعض جنح المرور( )
    جـ - مبررات هذا الاتجاه والرد عليها
    يمكن القول أن ثغرات الاتجاه لأول ( فكرة الجريمة المادية البحتة ) هي مبررات للاتجاه الثاني الذي يقول بلزوم الركن المعنوي .
    - ونستطيع إجمالها بالأمور التالية :
    1ً- يقضي المنطق القانوني بالقول بأن المخالفات – باعتبارها جرائم – لا قيام لها ما لم يتوافر لها ركن معنوي في إحدى صورتيه : القصد أو الخطأ.
    ويدعم هذا القول مبدأ (لاجريمة بغير ركن معنوي) وهو مبدأ عام التطبيق ، إذ يستند إلى اعتبارات أساسية في التشريع الحديث ترى أن أهم عناصر فكرة الجريمة هوانطواؤها على إرادة خالفت نهي الشارع وأمره وترى أن فرض العقوبة الأساسي هو لمواجهة الخطيئة والخطورة الكائنتين في نفس المجرم ردعاً له ولغيره.
    2ً – إن المشرع يهف في مجال المخالفات إلى صيانة أوضاع رآها ضرورية لتنظيم المجتمع على نحو معين ، ومن ثم حرصه على حماية هذه الأوضاع حاملاً على تجريم كل مساس بها ولو لم يقترن بإرادة جرمية .
    3ً – إن بذل كل شخص عنايته لإتباع ما تقرره نصوص القانون الخاصة بالمخالفات – بما في ذلك علمه بالتنظيم القانوني المفروض عليه وترتيبه الأوضاع المادية على نحو تتسق معه – هو المسلك الذي ينتظره الشارع من كل شخص ، وهو بعد ذلك مسلك في وسع كل شخص لأنه ينطوي على التزام محدود النطاق قليل المشقة، ومن ثم يكون في مجرد الخروج عليه إخلال بأمر القانون أو نهيه ولو لم يثبت بالإضافة إلى ذلك قصد أو خطأ.
    والرد على هذه المبررات يتجلى بالقول أن في تفاهة العقوبة ما يبرر التحلل من اشتراط الركن المعنوي دون أن تتأذى العدالة بذلك وفي تعدد الحالات التي ترتكب فيها هذه الجرائم ما يبرر تخفيف العبء عن القضاء بإعفائه من البحث في هذا الركن ، وهو في الغالب بحث عسير .
    المبحث الثاني:

    أنواع المخالفات في التشريع السوري وموقف المشرع منها
    1ً- المخالفات المقصودة :
    ينص القانون على مخالفات مقصودة، ويتطلب صراحة توافر القصد الجرمي ( ) كما نصت الفقرة(ب) من المادة 744 من قانون العقوبات السوري وفي هذا النوع من المخالفات يتخذ الركن المعنوي صورة القصد الجرمي، ويخضع لكل القواعد المنصوص عليها في المواد 187،188،222،وغيرها فيما يتعلق بالقصد الجرمي( ) ونلاحظ أن المشرع السوري قد أراد حصر هذه العقوبة المنصوص عليها في المادة(744) من قانون العقوبات في كون هذه المخالفة قد ارتكبت قصداً ، وهذا يعني أنه إذا تبين للقاضي أن الفعل لم يقصد منه إتيان أحد هذه الأفعال المنصوص عليها فلا عقاب على ذلك.
    -2ً- المخالفات غير المقصودة : ينص القانون على المخالفات غير مقصودة ، ويصرح عند النص عليها بوجوب توافر إحدى صور الخطأ غير المقصود.( ) وهذا ما يظهر في نص المادة ( 737) فقرة (و) من قانون العقوبات" يعاقب بالغرامة من خمسين قرشاً إلى عشر ليرات : من رمى أو أسقط على أحد الناس أقذاراً أو غيرها من الأشياء الضارة من غير انتباه" وكذلك نص الفقرة (ب) من المادة 751 من قانون العقوبات التي ذكرت سابقا.(صCool
    - ويخضع الركن المعنوي في هذه المخالفات للقواعد المنصوص عليها في قانون العقوبات المواد 189، 190 فيما يتعلق بالخطأ غير المقصود ( ).
    ونحن نعلم - استناداً للقانون - يكون الخطأ نتيجة الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة ، حيث يسأل كل شخص عن فعله الخاطئ طالما ساهم فعله في حصول النتيجة الجرمية ، ومهما كان الخطأ يسيراً يكفي لقيام المسؤولية الجزائية أو المدنية أو الاثنتين معاً.
    وغالبية الجرائم المنصوص عليها في قانون السير السوري غير مقصودة تكون صورة الخطأ فيها "عدم مراعاة الشرائع والأنظمة " ويعرّض خرق هذه القواعد وحده مرتكبه للمسؤولية الجزائية والمدنية عند الاقتضاء، دون ثمة حاجة لأن يترافق أو يقترن بإحدى صور الخطأ الأخرى (( كالإهمال وقلة الاحتراز)) والتي تدل أيضاعلى الطيش أوالرعونة وإن جاز أ ن تختلط هذه الصورة ببعضها أحياناً على نحو يدق أو يصعب فيه على القاضي الفصل أو التمييز بينها( )
    وينبني على ما تقدم أن المسؤولية الجزائية في جرمي القتل والإيذاء غير المقصودين ، يمكن أن تنهض قبل الفاعل في حوادث السير، ولو لم يقم خطأ عدم مراعاة قواعد السير وأنظمته في جانبه ، إذ يكفي لقيام هذه المسؤولية أن يتوافر قبله خرق قواعد عدم الاحتراز العامة المتبدية بصور الخطأ الأخرى ، ونحن نرى أن المشرع السوري كان مصيباً قي ذلك ، وبهذا يحد من أثر اللامبالاة عند أغلب الأفراد ، ويخفف من خرق أنظمة السير ، والتي تسبب في أغلب الأحيان جرمي القتل والإيذاء غير المقصودين .
    ذهب القضاء الفرنسي في هذا المجال إلى أنه ليس بمقدور المدعى عليه بجرم القتل عن غير قصد أن يتذرع أو يحتج بأن عدم الانتباه أو الإهمال أو عدم التحوط المعزو إليه لم ينطو عليه أي نص تنظيمي لشؤون السير( )
    وإذا كان الركن المعنوي في أكثر مخالفات السير يبدو ضعيفاً ، ويتمثل أو يتبدى بالخطأ الناشئ عن اللامبالاة، أو عدم الاكتراث، أو التراخي ، أو عدم الانصياع للأوامر المتعلقة بتنظيم شؤون السير كمخالفات السرعة غير النظامية واستعمال الأنوار المبهرة أثناء التلاقي مع مركبة أخرى ، أو الوقوف عند الاقتضاء ، فإن هذا الركن يظهر في بعض مخالفات وجنح السير الأخرى , ويتمثل أحياناً بالقصد بعنصريه العلم والإرادة ( ) .كما في جنحة هرب السائق بعد تسبب مركبته بحادث تأتى عنه ضرر جسدي لشخص ما أو ضرر مادي صرف و المنصوص عليها في المادة 195 من قانون السير السوري الجديد , أو جنحة سوق المركبة الآلية قبل الحصول على إجازة سوق ، المنصوص عليها في المادة 172 من هذا القانون والتي تتحدد فيها إرادة الفاعل المقرونة بالعلم ( )

    3ً- المخالفات التي لا تتطلب توافر القصد أو الخطأ(الجرائم المادية):
    وينص القانون على هذه المخالفات دون أن يصرح عند النص عليها بوجوب توافر القصد أو الخطأ ( ) ودون ثمة ضرورة أيضاً للبحث فيما إذا كان هذا الفعل قد أحدث أو لم يحدث ضرراً .
    ويظهر ذلك جلياً في مجال مخالفات وجنح السير ويمكن استنتاج ذلك من نصوص قانون السير السوري رقم 19 الصادر في 30/3/1974 الذي أصبح نافذاً في 1/10/1974 الخاص بتنظيم السير واستخدام الطرق المفتوحة للمرور ، حيث بينت الفقرة (21) من مادته الأولى أن الطريق المعنية بأحكامه هي " سبيل مفتوح للمرور العام من مشاة وحيوانات ومركبات بما في ذلك الشوارع والساحات والجسور أو ما يشابهها " ورغم أن مفهوم الطريق مفهوم واسع إلا أن مضمون هذه المادة لا يشمل طرق السير الكبيرة والطرق التي تخترق المحافظات والمناطق ، وبذلك قيدت المشاة والحيوانات بأحكام خاصة يجب مراعاتها، وإن عدم مراعاتها يستدعي توقيع العقوبة المنصوص عليها في القانون( ).
    و اتبع المشرع السوري هذه الخطة بالنسبة لبعض الجنح التي تتفق مع المخالفات كونه يستهدف بها التنظيم والضبط كالجنح الخاصة بالتموين والمحال العامة والضرائب والطوابع . والظاهر أن عدم اشتراط توافر القصد أو الخطأ في المخالفات ليس معناه أن القانون لا يعتد فيها بعنصر الخطأ ، فالخطأ عموماً هو أساس المسؤولية الجزائية في التشريع الحديث، ولا توجد جرائم محض مادية يعاقب عليها لمجرد وقوع الفعل المادي بغير نظر إلى ركنها المعنوي ، وغاية ما في الأمر في شأن هذا النوع من الجرائم هو أن الخطأ فيها من نوع خاص ، وهو متصل بالفعل المادي بحيث أن مجرد ارتكاب هذا الفعل يعتبره القانون خطأً موجباً للمسؤولية الجزائية ، ووجه الخطأ فيه هو أن الجاني قد قصر في حدود معرفة ماله وما عليه ويترتب على ذلك أنه لا بد فيها من توافر الإرادة ، فإذا لم يكن الفعل الذي وقع إرادياً فإنه لا يعاقب مرتكبه( ) . وغني عن البيان أن إيجاد جرائم يعاقب عليها القانون دون قصد أو خطأ يعد إخلالا خطيراً بالقواعد الأساسية في القانون وليس لهذا الإخلال سند من نصوص القانون ، ولا يعتبر عدم تصريح القانون بوجوب توافر القصد أو الخطأ تأييداً للرأي القائل بالجرائم المادية البحتة" إذ الأصل بالجرائم أن تكون مقصودة والاستثناء أن تكون غير مقصودة ، وإذا لم ينص القانون على صور ة الركن المعنوي الذي يتطلبه بصدد جريمة معنية فإن ذلك يعني أنه يتطلب القصد ، أما إذا كان يريد العقاب على الجريمة باعتبارها غير مقصودة فلا بد له من التصريح بالاكتفاء بالخطأ( ) فالأحكام التي أوردها قانون العقوبات في المواد 187-198 تحت عنوان " في عنصر الجريمة المعنوي" لم تستثن المخالفات ولا في أية حالة من الأحوال .
    كما أن الفعل الذي يشكل مخالفة في القانون،هو جريمة تعرض مرتكبها للمسؤولية الجزائية كسائر الجرائم الأخرى ، بصرف النظر عن درجة خطورتها أو مقدار عقوبتها . فمن المتفق عليه أن خطورة الجريمة أو عقوبتها ، مسائل لا علاقة لها بأركان الجريمة أو بالمسؤولية الجزائية ( )
    ولهذا نجد ان القول" بفكرة الجريمة المادية البحتة"أمر يتنافى مع حكمة التشريع الذي تستند عليه القوانين المعاصرة.......

    المراجع
    1-د.محمد الفاضل _ البادئ العامة في قانون العقوبات - الطبعة الثانية – 1963م
    2- د. عبود السراج _ قانون العقوبات ( القسم العام ) – منشورات جامعة دمشق – الطبعة الخامسة – 1992 م
    3- المحامي صلاح يوسف آغا – شرح قواعد وأحكام مخالفات وجنح السير الأساسية وأصول المحاكمة بشأنها في قانون السير السوري والتشريع المقارن – الطبعة الأولى 1986م
    4- . أديب استنبولي – شرح قانون العقوبات _ الجزء الأول المكتبة القانونية – الطبعة الثانية عام 1990 م
    5- د. محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات اللبناني ( القسم العام) دار النهضة العربية 1984م
    6- د. علي عبد القادر القهوجي – شرح قانون العقوبات ( القسم العام ) منشورات الحلبي الحقوقية 2002م
    7- د. سمير عالية – شرح قانون العقوبات ( القسم العام) بيروت 1998م
    8- المحامي أسامة أحمد شتات – قانون العقوبات وفقاً لآخر التعديلات – مصر 24ش عدلي يكن – دار الكتب القانونية2000
    9- د.محمود محمود مصطفى- شرح قانون العقوبات ( القسم العام) دار النهضة العربية – الطبعة الثامنة 1969.



    إجرام النساء (دراسة قانونية اجتماعية )
    أولا - النوعية الخاصة لجرائم النساء .
    ثانيا - الإحصائيات الجنائية واختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل .
    ثالثا - العوامل التي تدفع بالمرأة إلى الجريمة .
    رابعا – النظريات التقليدية في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل .
    خامسا- النظريات الحديثة في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل .

    مقدّمة :
    تعد الجريمة ظاهرة اجتماعية عاصرت جميع المجتمعات قديمها وحديثها ، المتقدمة منها والنامية ، وتأثرت بكافة المعطيات المحيطة ، بل واختلفت باختلاف العصر في المجتمع الواحد ذاته ، وقد أدت التغيرات التي مرت بها المجتمعات المختلفة من أحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية وتكنولوجية إلى إحداث تغيرات في كم ونوع واتجاه منسوب الجريمة عموماً و الجريمة النسائية خصوصا, فالجريمة تزلزل الأركان الأساسية للمجتمع و تجرح مشاعر الأمان و الطمأنينة التي يجب أن يشعر بها الإنسان حتى يتمكن من الاستمرار في الحياة و إعمار الأرض . و باعتبار الجريمة ظاهرة اجتماعية , حيث أن المجرم هو فرد من أفراد المجتمع , من هنا نجد أن السلوك الإجرامي هو سلوك إنساني يصدر عن إنسان أقل ما يقال عنه بأنه لا اجتماعي لأنه يناقض في سلوكه الإجرامي فطرة الله التي فطرَ الناس عليها من القيم و المثل العليا التي لا يقوم المجتمع الإنساني إلا بها .
    و باعتبار الإنسان ابن بيئته , وهو كائن اجتماعي بطبعه يتأثر بالمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه , ويتلقى من بيئته الأعراف والقيم , وليست الجريمة سوى منتج اجتماعي لمقدمات سلوكية يكتسبها الفرد من الواقع السيئ الذي يعيش فيه , ولم تخل المجتمعات المختلفة في جميع مراحلها من وجود الجريمة ، إلا أنها ارتبطت تاريخياً في أذهان الناس بالذكور ، لشيوع ارتكابهم لمختلف أنواع الجرائم ، ولقلة الدور الاجتماعي للمرأة في المجتمعات القديمة , متناسين بذلك تلك الجرائم التي ترتكبها النساء خفية ، أو أنها تبقى رهينة السجلات والوقائع الأمنية دونما الإشارة إليها أو التوثيق لها .
    أما في عصرنا الحاضر, نجد أن المرأة دخلت مختلف ميادين الحياة ونافست الرجل فيها , بما في ذلك ميدان الجريمة , فلم يعد الإجرام ظاهرة ذكورية ولم يعد الحبس للرجال فقط كما يقال على ألسنة العامّة وإنما وللأسف الشديد دخلت المرأة المجرمة السجون , وذلك بفعل تضافر عوامل مختلفة أدّخلت المرأة في أتون الإجرام وأوقعت بها في حبائل الجريمة , وقد نشأ عن هذا الواقع المؤلم مصطلح جرائم النساء , الذي هو من مصطلحات علم الإجرام , وكانت الغاية منه البحث في ظاهرة إجرام المرأة , لمعرفة أي الجنسين أكثر إجرام من الآخر , وذلك توصلاً لمعرفة أسباب تلك الظاهرة , وتشخيص طرق علاجها .

    - أهمية دراسة جرائم النساء :
    تأتي أهمية دراسة جرائم النساء من خطورة هذه الجرائم على الأسرة من ناحية , وأثرها على المجتمع من ناحية أخرى , حيث يعتبر إجرام النساء من أخطر الظواهر الاجتماعية لأن المرأة عضواً فعّالاً في المجتمع ، وإن أي انحراف في سلوكها من الممكن أن يترك آثاره على المجتمع , و إن عدم الاهتمام بظاهرة إجرام النساء يؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة بشكل كبير في المجتمع , فالمرأة نصف المجتمع وإن لم تكن المجتمع بأكمله , فكما يقال حينما تربي رجلا فأنت تربي فردا وحينما تربي امرأة فإنك تربي أسرة بأكملها , و المجتمع الذي يُحسن تربية فتياته يقدم لمستقبله أمهات صالحات ينجبن أجيال من الأبناء والبنات الأسوياء بعيدا عن الوقوع في مستنقعات الجريمة و الإجرام وكما يقول الشاعر( ): ( الأم مدرسة إذا أعددتها أعددتَ شعب طيّب الأعراق ) . فالمجتمع الذي تتمكن الجريمة من نساءه يسير نحو الهاوية و تسقط القيم والمثل العليا فيه . والجريمة فعل شائن أيا كان مقترفها و مهما كانت ثقافته أو درجته الاجتماعية . وبرغم أن القانون لا ينظر إلى الاختلافات بين الجنسين عند تحديد العقوبة للفعل المجرَّم إلا أن المجتمع يحمِّل المرأة مسؤوليةً أكبر من الرجل عند اقتراف جرائم معينة , كجريمة الزنا فالمرأة التي تقترف هذه الجريمة تفقد مستقبلها وكذلك يعتبر أطفال السفاح من النتائج المباشرة لهذه الجريمة , فلا شكَّ إن هناك نتائج خطيرة لا تحل على المرأة فقط وإنما على المجتمع ككُل , فالأضرار التي تَلحق بالمجتمع نتيجة هذه الجريمة كبيرة , فالضرر لن يكون فردياً بحتاً. كما أن المرأة التي تزني تظل تدفع ثمن هذه الجريمة طوال عمرها ، وهي في الغالب تكون منبوذة من الرجال , ولا تجد من يقدرها أو يحترمها . قال الله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك و حُرِّّمَ ذلك على المؤمنين }( ) , وكذلك لا تجد من يتقدم لها خاطبا أو يرضى بالزواج منها , بالإضافة إلى انعدام الثقة بين أفراد المجتمع فتظل هذه المرأة في نظرهم ليست أهلا للثقة أو حتى الاحترام , وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة المتزوجة فالثمن يدفعه أبناؤها معها لأن خيانة المرأة واقترافها هذه الجريمة تجعل من الزوج يتشكك في نسب أبنائه إليه فتضعف تلك الرابطة الأبوية والعاطفة الإنسانية بينهم , لأنه لم يعد قادرا على التعامل معهم بصفته الأبوية فكلما يراهم أو ينظر إليهم يتذكر ما فعلته أمهم , ويظل السؤال حائرا معه هل هم أبناؤه حقا أم أبناء رجل آخر . وهنا تظهر لنا حقيقة الفرق بين خيانة الرجل وخيانة المرأة رغم تساويها في درجة الإثم والفعل الشائن , ولكن جريمة الرجل يدفع ثمنها بمفرده وربما ينال عقوبتها بمفرده أيضا , ولكن المرأة يشاركها أعضاء كثيرون في المجتمع بدفع هذا الثمن سواء كان الأبناء أو الأسرة التي تنتمي إليها , بالإضافة إلى أنه غالبا ما يُطلِّق الرجل زوجته في حالة ثبوت خيانتها له , والطلاق أيضا له آثاره السلبية على الأسرة بأكملها غير الضرر المباشر الذي يلحق بالمرأة من ذلك وقد يؤدي ذلك إلى سيرها في الطريق ذاته لفقدانها كل شيء في تلك اللحظة ، كما أن المرأة التي تدخل السجن ولا يقبل زوجها أو أهلها رعاية أطفالها الذين هم في سن الحضانة تجد نفسها مضطرة لإدخال أطفالها معها إلى السجن .
    حيث يوجد في سجن دوما للنساء تسعة أطفال حكمت عليهم أمهاتهم بالحبس دون جريمة اقترفوها سوى أنهم أبناء نساء سجينات من هنا يتبين لنا خطورة الجريمة التي تقترفها المرأة و الآثار الخطيرة لها( ).

    على هذا سيتناول البحث دراسة جرائم النساء في المباحث التالية :

    أولا - النوعية الخاصة لجرائم النساء .
    ثانيا - الإحصائيات الجنائية واختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل .
    ثالثا - العوامل التي تدفع بالمرأة إلى الجريمة .
    رابعا – النظريات التقليدية في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل .
    خامسا- النظريات الحديثة في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل .

    أولا - النوعية الخاصة لجرائم النساء :
    إن نوعية الجرائم التي يمكن أن نطلق عليها جرائم النساء هي تلك الجرائم المتميزة التي تختص بها المرأة , أو هي تلك الأنواع من الجرائم التي يزداد ارتكابها من قبل النساء( ) , أو هي بمعنى آخر جرائمهن الرئيسية أو جرائمهن الشائعة أو جرائمهن الغالبة. ويتفق معظم المتخصصين في جرائم النساء على أن النساء يستخدمن الخداع و المكر في اقتراف الجرائم أكثر مما يستخدمه الرجال فيرى ( بيرث ثمث ) : أنه برغم أن النساء يلعبن دور ثانوي في جرائم النصب و الاحتيال مقارنة بالدور الرئيسي الذي يلعبه الرجال إلا أنهن يستخدمن الدهاء و الحيلة في هذه الجرائم , وذلك في صورتين , الصورة الأولى هي القيام بإغراء الرجل حتى يجد نفسه منغمس معهن في وضع مخل بالشرف فيظهر شريكها وهو عادة الزوج أو الأخ المزعوم فيهدده بالقتل أو بالتشهير به بين الناس إذا لم يدفع مبلغ من المال يتناسب مع درجة ثرائه . وأما الصورة الثانية نجد المرأة تقوم بدور الزوجة المهذبة أو الأخت الرقيقة اللطيفة التي تقتصر مهمتها على إطفاء جو من الثقة على الموقف الذي يتم به الاحتيال على المجني عليه . كما يرى بعض المتخصصين بجرائم النساء أن القتل بالسم هو الوسيلة المفضلة للقتل بنسبة للمرأة. كما أن الجرائم التي تقترفها النساء تعد من الجرائم الخفية مما يتفق مع الطبيعة المقنعة لجرائمهن . وتتميز جرائم القتل التي تقوم بها النساء بالكراهية الشديدة للمجني عليه , فقد لا تكتفي المرأة بقتل زوجها الخائن تل تقوم بتشويه جثته وذلك بصب ماء النار فوقها . ولقد بحث العالم ( بولاك ) مسألة وجود نوعية معينة أو أنماط شبه ثابتة لجرائم النساء , فتوصَّل إلى أن جرائم النساء تقع غالبا في مخالفة الأخلاق الجنسية أو في نطاق الجرائم الواقعة على الأشخاص أو في نطاق الجرائم الواقعة على الأموال , كما توصل إلى أن أنماط الإجرام الأنثوي ليست واضحة بالصورة الكافية .


    ثانيا - الإحصائيات الجنائية واختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل :
    هل النساء أكثر إجرام من الرجال أم العكس ؟ وهل يختلف إجرام المرأة عن إجرام الرجل ؟ لاحظ العلماء أن المرأة أقل إجرام من الرجل من حيث الكم و النوع والوسيلة المستخدمة في اقتراف الجريمة والخطورة الإجرامية( ) وقد أثبتت الإحصائيات الجنائية في مختلف دول العالم هذه الملاحظة على مدى أجيال متعاقبة ( ) , دون اتفاق على تفسير واحد لهذه الظاهرة .
    من حيث الكم تشير الإحصائيات الجنائية أن الرجل يتفوق على المرأة في معدل الإجرام بنسبة تزيد عن خمس أمثال , وفي بعض الدول الإسكندنافية تشكل نسبة إجرام المرأة نسبة صغيرة جدا إلى درجة لا يمكن معها المقآرنة مع نسبة إجرام الرجل , و في الولايات المتحدة الأمريكية تبلغ نسبة الرجال المقبوض عليهم عشر أمثال المقبوض عليهن من النساء , أم الذين أودعو سجون الولايات والسجون الفدرالية و الإصلاحيات فتفوق نسبة الرجال نسبة النساء عشرين مثل , وفي بلجيكا فاقت نسبة جرائم الرجال نسبة جرائم النساء 242 مثل , أم في الدول العربية فقد ارتكبت المرأة جريمة واحدة مقابل 2744 جريمة ارتكبها الرجل وفي مصر تبلغ نسبة الجرائم التي تقترفها المرأة 5% من نسبة الجرائم التي يقترفها الرجل( ) . ويعتبر ( كتليه ) أول من تواصل إلى هذه النتيجة , بعد القيام بإحصاء جنائي عام 1835 ثم جاء العالم ( جراينيه ) وأكد هذه النتيجة عام 1902 .
    من حيث النوع هناك بعض الجرائم يكثر إرتكابها من النساء وتتفوق المرأة على الرجل فيها, مثل جرائم الإجهاض وقتل الأولاد و هجرهم و تعريضهم للخطر وشهادة الزور و البلاغ الكاذب , وهناك جرائم يكون حظ المرأة في اقترافها أكثر من الرجل مثل جرائم القتل بالسم و السرقات البسيطة وإخفاء الأشياء المسروقة وتحريض الصبيان على الفجور( ) .
    وفي المقابل هناك جرائم يقلُّ وقوعها من النساء و يتفوق فيها الرجال , مثل جرائم العنف والسرقة بالإكراه والاعتداء على العرض و جرائم الحريق و الجرائم المضرة بالمصلحة العامّة و الجرائم الواقعة على أمن الدولة .
    من حيث وسيلة إقتراف الجريمة و خطورتها دلَّت الإحصاءات أن المرأة أقل خطورة إجرامية من الرجل و يؤكد ذلك الحقائق التالية :
    – يغلب على الجرائم التي يقترفها الرجل استخدام العنف والقوّة العضلية , في حين تستخدم المرأة الحيلة و المكر في إقتراف جريمتها وكثيرا ما تلجئ المرأة إلى السم للقتل , في حين يندر إستخدام هذه الوسيلة من قبل الرجل .
    – قلّة جسامة الجرائم التي تقترفها المرأة : المرأة أقل خطورة إجرامية من الرجل فجرائم السرقة التي تقترفها النساء هي في الغالب من جرائم السرقات البسيطة يدفعها إليها الفقر و الحاجة و قلمّا تقترف المرأة جرائم السرقات الموصوفة .
    – قلّة أهمية جرائم النساء : فأكثر جرائم النساء من الجنح .
    – المرأة أقل عود على الإجرام من الرجل كما تأكد ذلك الإحصاءات الجنائية في مختلف دول العالم( ) .

    ثالثا - العوامل التي تدفع بالمرأة إلى الجريمة :
    إن عوامل إجرام المرأة هي تلك الأسباب التي تقف وراء ارتكابها للجريمة، وبمعنى آخر هي مجموعة من الحالات والوقائع التي تؤثر على المرأة على نحو ما بحيث تدفعها إلى طريق الجريمة . وهذا يعني أنه لا يمكن إرجاع إجرام المرأة إلى سبب معين أو إلى عامل وحيد ، فإجرامها يعود إلى تضافر مجموعة من العوامل، سواءً كانت عوامل داخلية مرتبطة بشخص المرأة ، أي بتكوينها العضوي أو النفسي أو كانت عوامل خارجية متعلقة بالبيئة الاجتماعية التي تعيش فيها. فالجريمة هي نتاج لتفاعل عدة عوامل. ولذا فإننا سنوضَّح أهم هذه العوامل وأثرها في سلوك المرأة الإجرامي

    أ - العوامل الذاتية لإجرام المرأة :
    وتعني مجموعة من الصفات والخصائص المرتبطة بشخص المرأة، أي بتكوينها العضوي والنفسي والعقلي والتي يؤدي تفاعلها مع العوامل الخارجية المحيطة بها إلى وقوع الجريمة، ومن أهم هذه العوامل الداخلية ما يلي:
    1- العوامل الوراثية :
    إن المقصود بالوراثة في هذا الموضوع هو انتقال خصائص وصفات معينة ، سواءً كانت عضوية أو نفسية ، كالعاهات الجسمية أو الأمراض العضوية والنفسية أو الإعاقات العقلية...الخ من الأصل إلى الفرع فتلك الصفات والخصائص الوراثية قد تدفع حاملها إلى ارتكاب الجريمة. وهذا يعني أن الوراثة ليس عامل حتمي في خلق السلوك الإجرامي، وإنما تعتبر عامل احتمالي. فهذه الصفات أو الخصائص لا تعني أن من يحملها يكون بالضرورة مجرماً إذا كان سلفه مجرماً، فهي عبارة عن إمكانات لا تولِّد الجريمة نفسها وإنما تولِّد نسبة استعداد إجرامي يهيئ الشخص إذا صادف ظروف بيئية واجتماعية معينة إلى سلوك طريق الجريمة. إلاَّ أن هذه النتيجة لا تعني وجود صلة قطعية للوراثة بارتكاب هؤلاء النساء للجرائم، فالأمر قد يعود إلى البيئة السيئة والظروف المعيشية الصعبة التي نشأ وعاش فيها أفراد تلك الأسر.
    ولمعرفة صلة الوراثة بالجريمة، فقد أجريت كثير من الدراسات والأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية على بعض الأسر المجرمة، أي تلك الأسر التي أشتهر أفرادها بالإجرام، وذلك لمعرفة مدى انتشار الإجرام بين أفرادها، وخاصة انتقاله من الآباء إلى الأبناء والأحفاد خلال أجيال متعاقبة(1) ، حيث توصلت تلك الدراسات إلى أن الاستعداد الإجرامي هو الذي ينتقل عن طريق الوراثة، فيظل كامناً في نفس حامله إلا أن يصادف الفرد ظروفا بيئية اجتماعية مهيئة، فيتفاعل عندئذ ذلك الاستعداد الإجرامي مع هذه الظروف فيدفع بصاحبه إلى ارتكاب الجريمة.
    ويتضح من ذلك أن للاستعداد الإجرامي الذي ينتقل بالوراثة دور كبير في دفع الأشخاص، ومنهم المرأة نحو السلوك الإجرامي متى ما حصل على ظروف اجتماعية مهئية، قد تكون هذه الظروف مشاكل أسرية أو مستوى معيشي متدني، صعوبات مادية، جهل، بطالة، عادات وتقاليد...الخ.
    2- التكوين البيولوجي :
    ونقصد به التكوين العضوي للمرأة والذي يحتوي على الصفات الخلقية المتعلقة بشكل أعضاء جسمها الخارجية ووظيفة أجهزة الجسم الداخلية.
    إن النضوج البدني المبكر للمرأة وما يصاحب ذلك من ظهور علامات الأنوثة عليها وبروز مفاتنها قد يدفع أصحاب النوايا السيئة من المحيطين بها، إما إلى التحرش بها جنسياً وهتك عرضها أو اغتصابها أو استخدامها في مرحلة مبكرة من عمرها في أفعال لا أخلاقية مما تنتج عنها جرائم الزنا والبغاء والدعارة، خاصة وأنها تعاني من قصور في القدرات الذهنية لعدم اكتمال نضوجها النفسي والعقلي في هذه المرحلة وقلة خبرتها في أمور الحياة ، كما قد تقع نتيجة لذلك فريسة سهلة في جرائم هتك العرض والزنا، بحيث تصبح بعدها، وفي فترات لاحقة من عمرها معتادة على ارتكاب الجرائم الأخلاقية كالبغاء والدعارة خاصة في ظل نشأتها وعيشها في ظروف بيئية اجتماعية سيئة.
    إضافة إلى ذلك، فإن المرأة تتعرض بحكم تكوينها البيولوجي إلى تغيرات فسيولوجية تؤدي إلى اضطرا بات تؤثر على حالتها النفسية والعصبية كحالة الحيض وانقطاعها عند بلوغها ( سن اليأس ) وحالة الحمل، وحالة الوضع ، وحالة الرضاعة، فهي في هذه المراحل التي تمر بها تكون أكثر انفعالية ومزاجية مما يجعلها أكثر قابلية للإثارة وسهلة الاستجابة للمؤثرات الخارجية، وبالتالي قد تندفع في ظروف معينة إلى ارتكاب الجرائم، مثل السب والقذف والضرب والجرح والسرقات الخفيفة والبلاغ الكاذب.

    وبالرغم من قلة الدراسات في الوطن العربي بشكل عام حول ذلك لكن يمكن القول بأن هناك صلة بين التكوين الفسيولوجي للمرأة وبين الجريمة، إلاَّ أنه يمكن التأكيد على هذه الصلة بصورة غير مباشرة من خلال تلك الدراسات التي أجريت على مرتكبات الجرائم في بعض الدول الأوروبية، لكون التكوين الفسيولوجي للمرأة العربية لا يختلف عن مثيلاتها في تلك الدول. فقد أشارت الدراسات العلمية إلى أن 41% من جرائم النساء في إنجلترا قد ارتكبت وهن في حالة حيض ، وأن 63% من النساء اللواتي ارتكبن سرقات من المحلات التجارية في فرنسا كن في حالات حيض(1). كما أن الخلل أو الاضطرابات التي تصيب إفرازات الغدد عند المرأة ، من حيث زيادتها أو نقصانها عن المعدل المألوف قد يدفعها إلى الوقوع في الجريمة ، خاصة الغدة الدرقية ، إذ عند زيادة إفرازاتها تؤدي إلى الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية، والتي تعتبر عاملاً مؤدياً إلى ارتكاب الجريمة، كما أن زيادة إفرازات الغدة الكظرية يؤدي إلى تكوَّن شخصية ذات مزاج عنفواني، تميل إلى الشراسة والحدة في الطبع وإلى العدوان والتهور، ونتيجة لذلك قد تقع المرأة في هاوية الجريمة بارتكابها جرائم الإيذاء الجسماني أو القذف والسب(2).
    وإلى جانب ذلك، فإن الاضطرابات أو الخلل الذي قد يصاحب إفرازات الغدة التناسلية عند المرأة يؤثر إلى حد كبير في غريزتها الجنسية. فزيادة إفرازاتها، وخاصة في مرحلة المراهقة والشباب قد يدفع المرأة إلى تلبية رغباتها الجنسية بطرق غير مشروعة ، وذلك تحت تأثير قوة غريزتها الجنسية، وفي ظل وجود عوامل اجتماعية مهيأة مثل البيئة الأسرية السيئة و العنوسة ، والعادات والتقاليد التي تكرس دونية النساء ، وبالتالي تنشأ عن ذلك الجرائم الأخلاقية كالزنا والبغاء والدعارة ، وهذه الجرائم يلاحظ ارتكابها بكثرة بين أوساط السجينات المراهقات والشباب منهن في السجون اليمنية كما أشرنا سابقاً.
    3- التكوين النفسي :
    تتميز المرأة عن الرجل بتكوينها النفسي الخاص. فهي تحمل صفات معينة كالرقة والحنان والعاطفة والأمومة...الخ وإن كانت هذه الصفات وحدها لا تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجرائم ، إلاَّ أن تميز المرأة بها قد يؤدي إلى سرعة استجابتها وتأثرها بالمؤثرات المختلفة المحيطة بها، بحيث يؤثر ذلك على شدة انفعالاتها وعواطفها، مما يؤدي بدوره إلى فقدان توازنها النفسي والعصبي والذي قد يدفعها إلى ارتكاب الجريمة.
    فالمرأة أكثر عاطفية من الرجل، ولذا فإن وقوعها في عاطفة الحب الشديد قد يؤدي بها إلى الشعور بالغيرة الجارفة ، والتي بدورها قد تؤدي بها تحت ظروف معينة إلى الانتقام عن طريق ارتكاب الجريمة . كما أن عاطفتها الشديدة قد تجعلها تحمل الكراهية الزائدة لشخص ما أثر فيها أو أساء إليها، وبالتالي قد يدفعها ذلك إلى إيذاء ذلك الشخص بارتكابها أخطر الأفعال الإجرامية مثل القتل والإيذاء البدني الجسيـــــم(1) ، إضافة إلى ذلك، فأن تميُّز المرأة بعاطفة الأمومة قد يجعلها تخاف على كيان أسرتها وأطفالها بشكل غير طبيعي ، وبالتالي قد تندفع نتيجة لذلك للدفاع عن أسرتها وأطفالها ضد أي محاولة للاعتداء عليهم ، عن طريق ارتكاب الأفعال الإجرامية كالسب والقذف والضرب والجرح... الخ.
    4- السـن :
    ونقصد به المرحلة العمرية التي تمر بها المرأة المرتكبة للجريمة ، سواءً كانت مرحلة الطفولة أو المراهقة أو الشباب أو مرحلة النضوج ، فالسن عامل مساعد في دفع المرأة إلى ارتكاب الجريمة، حيث يؤثر على حجم ونوعية جرائمها ، ويتضح ذلك من حيث أن لكل مرحلة عمرية تمر بها المرأة لها خصائصها ومميزاتها ، سواءً تعلق الأمر بتكوينها العضوي (البدني) والنفسي والعقلي أو اتصل بالبيئة الاجتماعية المحيطة بها.
    إن هذه الدراسة تبيِّن أن أكثر الجرائم، وخاصةً الزنا والقتل الخطأ والسرقة ترتكب في مرحلة المراهقة والشباب (15- 25 سنة) ، ويرجع ذلك إلى ما تتميز به المرأة في هذه المرحلة العمرية من صفات وخصائص بدنية ونفسية معينة، وذلك من حيث ظهور علامات الأنوثة لديها وبروزها ، وزيادة غريزتها الجنسية ، مما يجعلها عرضة للإغراءات المختلفة والتحرش الجنسي من قبل الرجال، فهذه الظروف قد توقعها في حالات كثيرة في جرائم الزنا ومن ثم البغاء والدعارة، وخاصةً في ظل عدم نضوجها النفسي والعقلي، كما أن تهورها وعدم مبالاتها وحب المغامرة فيها وتقلب مزاجها وعدوانيتها وقلة خبرتها في الحياة في هذه المرحلة العمرية، إضافة إلى سوء ظروفها المعيشية قد تدفعها في حالات عديدة إلى ارتكاب جرائم القتل الخطأ، والإيذاء الجسماني، والسرقة .
    أما المراحل العمرية الأخرى كمرحلة النضوج والشيخوخة التي تمر بها المرأة العربية فتقل فيها الجرائم مقارنة بمرحلة المراهقة والشباب، إلا أنه يلاحظ أن جرائم القتل عند النساء تزداد في مرحلة النضوج (36 سنة وأكثر)، وهذا يعود غالباً إلى محاولة الدفاع عن النفس نتيجة المشاكل الأسرية التي تعانيها المرأة وما يمارس من عنف ضدها، وخاصةً المتزوجة ، إضافة إلى النزاع داخل الأسرة حول الإرث (خاصة الأراضي الزراعية)، وما يترتب عنه من ظلم يقع عليها، بحيث تلجأ المرأة، وخاصة في الأرياف إلى السلاح ومن ثم ارتكاب جرائم القتل أو الشروع فيها .

    ب - العوامل الخارجية لإجرام المرأة :
    تمهيـد : نقصد بالعوامل الخارجية لإجرام المرأة مجموعة الظروف أو الوقائع التي لا

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 4:22 pm